بانتهاء موسم حج متميز هذا العام سجلت فيه أجهزة الدولة التنفيذية مؤشرات نجاح غير مسبوقة في تنفيذ خططها التشغيلية لخدمة نحو مليوني حاج، تترقب وفود الحجاج مزيدا من التنظيمات الجديدة التي تسهم في تطوير الحج كمنظومة متكاملة في المواسم المقبلة.
ولأن حجاج الداخل حلقة رئيسة في هذه المنظومة تفتح «عكاظ» في هذه الحلقة التي تستهل بها سلسلة حلقات متخصصة تحت عنوان (الحج الذي نريد) ملف الحج المخفض الذي قررت وزارة الحج التوسع فيه مستقبلا بما يتضمنه من حوافز للشركات الملتزمة به كواحد من أبرز الحلول المقترحة للحد من المغالاة في أسعار الحملات، وبالتالي الهبوط بنسب المفترشين في المشاعر المقدسة، ولاسيما أن دراسات متخصصة أجراها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج في مواسم سابقة كشفت أن أسعار حملات الحج الداخلية واحدة من أكثر مسببات الافتراش في الحج.
طوق نجاة
وزارة الحج بدورها قررت الدفع ببرنامج الحج المخفض والتوسع فيه من خلال حزمة من الحوافز والمميزات التي قد تقود صوب تحقيق الهدف وهو (الحج الذي نريد) والخالي من السلوكيات التي تتواءم وطبيعة الشعيرة وقدسية المكان والزمان.. وبهذا تنظر وزارة الحج صوب الحج المخفض بأنه طوق نجاة لها من التلاعب والمغالاة في الأسعار التي تمارسها بعض الشركات وأيضا وسيلة فاعلة للحد من الافتراش في الطرقات والميادين بالمشاعر المقدسة.
مدير الإدارة العامة لشؤون حجاج الداخل فايز البركاتي بين أنه سيتم منح حملات حجاج الداخل التي تلتزم بـ «الأسعار المخفضة» حزمة من المزايا أبرزها زيادة عدد الحجاج في الموسم المقبل، بالإضافة إلى زيادة المساحة التي تمنح لهم، موضحا أن البرنامج يخدم كافة شرائح الحجاج ويوفر لهم الحج بأسعار في متناول اليد بعيدا عن المغالاة.
الاشتراك اختياري
وقال البركاتي لـ «عكاظ»: «تحركت وزارة الحج بشأن مواجهة أسعار حملات حجاج الداخل التي تشهد ارتفاعا مثيرا على خلفية قرار تخفيض أعداد الحجاج هذا الموسم والذي يتشبث به ملاك الشركات ودفعت الوزارة بحزمة مميزات جديدة في محاولة لتحريك الشركات المشاركة في برنامج «الحج المخفض»، علما بأن الالتحاق فيه للشركات المرخصة اختياريا ويحق لتلك التي تخدم 1000 حاج أن تشترك في البرنامج على أن تلتزم بالأسعار المحددة، وفق الضوابط المعدة على أن تقدم للمشارك مميزات جديدة منها رفع سقف عدد الحجاج المصرح بخدمتهم إلى 100 % ومنح معيار وجود فروع في المدن والمحافظات كاملة للشركات المتعاونة مع تكريم الشركات المشاركة بدون مخالفات ضمن الشركات التي تكرم سنويا على أن تتولى الوزارة الإعلان عن أسماء الشركات المساهمة في البرنامج من خلال موقعها الإلكتروني».
وزاد البركاتي: «في المواسم المقبلة سنتوسع في هذا البرنامج حيث شاركت فيه نحو 23 شركة هذا الموسم قدمت خدمات لحوالي 19 ألف حاج لكن في المواسم المقبلة سترتفع الشركات المشاركة وبعض تلك الشركات بدأت في التسجيل المبكر والمطالبة بالانضمام فلدينا نحو 6 طلبات حاليا من شركات كانت ضد الفكرة وباتت تطالب بها، هذا النوع من التنظيم يحقق خدمة مميزة للحجاج بأسعار معقولة وفي الوزارة يظل الحاج هو الهدف الرئيس لنا».
التوقيت المناسب
ناصر الأحمري أحد ملاك شركات حجاج الداخل العاملة في موسم حج هذا العام بين أن برنامج الحج المخفض مميز وجاذب لكن وقعت الوزارة في أخطاء حرمت بعض الشركات منه، وقال: «كلنا مع ضبط الأسعار ومعالجة المغالاة من بعض الشركات فهدفنا واضح وجلي يكمن في حملات مخفضة وبأسعار في متناول الجميع، حيث إن بعض الشركات لا مست سقفا عاليا جدا، لذا قررت الوزارة الدفع ببرنامج الحج المخفض وهو برنامج رائع لكن التنفيذ يحتاج لمزيد من المراجعة، ليس صحيحا أن تدفع به الوزارة في الأيام الأخيرة من الحج بل الواجب أن يكون باكرا ومن وقت يسمح للشركات بالدخول فيه كمنافسة، وجدنا أن ثمة شركات لم تكمل عددها فتقدم في الحج المخفض وبهذا كسبت من الجانبين والمطلوب أن تخصص الشركات ذات التصاريح المنخفضة من الأعداد لتغطية الحج المخفض».
رأي آخر
إلا أن أحمد بن حميد الريشي أحد ملاك الشركات الذين عملوا لثلاثة مواسم سابقة في برنامج الحج المخفض واعتذر هذا العام له رأي آخر حيث يقول: «الحج المخفض بات على حافة الانهيار لعدم وفاء الوزارة بكافة الوعود التي أطلقتها حين تدشينه وكنا كأول شركة تدخل هذه التجربة متفائلين بأن نحصل على تلك المزايا التي وعدتنا بها الوزارة، لكن بعد 3 سنوات وجدنا أنفسنا بلا مزايا ولا حوافز وهذا ما جعلنا نعتذر عن هذا العام الدخول فيها، كما تردد عدد من الشركات المشاركة فيه، حيث أعلنت وزارة الحج عنه هذا العام على موقعها الإلكتروني في وقت متأخر جدا، فأحجمت الشركات، علما بأن أسعار البرنامج مصنفة إلى سبع فئات تتراوح ما بين 2500 إلى 5000 ريال».
خلل في التطبيق
بدر جميل القرشي أحد المستثمرين في قطاع الحج رأى أن الحج المخفض برنامج ناجح كفكرة لكن ثمة خللا في التطبيق وطالب بضرورة أن يكون هناك تنسيق مبكر لتنفيذ هذه الفكرة، وقال: «الحج المخفض واحد من المطالب التي نتمنى أن تحظى بمزيد من الدراسة والعناية، نحن لا نبحث عن المكسب بل نريد الخدمة، وهذا بلا شك مطلب كل قطاع الحج، لكن وجدنا في برنامج الحج المخفض بعض القصور وهو ما نتمنى أن تتحرك الوزارة لمعالجته مع ضرورة تفعيل دور المجلس التنسيقي لشركات حجاج الداخل من خلال منحه المزيد من الصلاحيات من قبل وزارة الحج ولاسيما أن القائمين عليه من الكفاءات ذات الخبرة الميدانية في قطاع الحج لكن صوتهم غير مسموع عند الوزارة، لا بد أن يقدم المجلس رؤية واضحة للحد من الأسعار وأن تمنح الوزارة الفرصة لما يزيد عن 200 شركة حجاج داخل كونهم يمثلون واحدة من أبرز القطاعات الوطنية في خدمة ضيوف الرحمن».
التوسع هو الحل
الدكتور عبدالعزيز سروجي عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة رأى أن التوسع في هذا البرنامج سيسهم في تنظيم أكثر، وقال لـ «عكاظ»: «الجهات التنفيذية مستمرة في كل موسم في مواجهة مخالفة الحج دون تصريح والتي تفضي بدورها أخيرا إلى ظاهرة الافتراش التي تعد معضلة تعيق كل الخطط، وقد أظهرت الدراسات الميدانية أن مخالفة الحج بلا تصريح ترتبط ارتباطا وثيقا بالافتراش، فهو يؤدي إلى الازدحام الشديد في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وصولا إلى افتراش الشوارع والأرصفة والطرقات وساحات الجمرات في المشاعر المقدسة، لأن مرتكبي هذه المخالفة لم يتعاقدوا مع أي من مؤسسات حجاج الداخل، ولا يتوافر لهم سكن نظامي في المخيمات، ولذلك يلجأون إلى المبيت في الشوارع، متسببين في تراكم آلاف الأطنان من النفايات».
واستطرد سروجي القول: «ذلك التحدي وتلك الظواهر السلبية تشكلان هاجسا لنا، فهي لا تمكن القطاعات الحكومية والأهلية من أداء دورها بمستوى أفضل، والتي تنطلق خططها السنوية عبر أهمية تحقيق التوازن بين أعداد الحجاج والطاقة الاستيعابية للبنية التحتية والعلوية والمتمثلة في الطرق والتنقل، والإسكان، والصحة».
مسببات الحج غير النظامي
وذهب الدكتور سروجي في حديثه صوب مسببات الحج غير النظامي، قائلا: «أجرينا دراسات عدة وخرجنا بعدة مسببات، أبرزها ارتفاع كلفة الحج وهذا ما دفع إلى التنسيق مع وزارة الحج للخروج بحل جذري لهذه المشكلة، وبالفعل وصلنا إلى حل مناسب تمثل في الحج المنخفض الكلفة، حيث أطلقت الوزارة هذه التجربة ولقيت نجاحا ملموسا، ما مكن أخيرا من أداء دور الرقابة والمتمثل في تنفيذ حملات المتابعة على أصحاب المؤسسات الوهمية المنظمة لخدمات الحج والعمرة دون أن يكون لديها تصريح لمزاولة النشاط وبحسب الدراسة الميدانية التي جرت على عينة عشوائية من الحجاج المخالفين، أدى ارتفاع أسعار حملات المؤسسات والشركات إلى لجوئهم إلى أداء الفريضة دون تصريح رسمي، والذي يشترط الحصول عليه عن طريق تلك الشركات والمؤسسات».